لقاء في الجنّة


إلى حمزة الخطيب في ذكرى استشهاده الثانية

 

 

مشى خطواته كالطـُّهر والأنوار نحو البابِ

لم يقرع ْ

وسقف الباب سِدرة منتهى جلـّت “1”

ضياء الحقّ يغمرهُ

تفتـّح مُغلقُ الأبواب .. رضوان يهـِشّ به “2”

يُـفدّيهِ ” 3″

يؤهِّـل تارة ويسهِّـل الأخرى “4”

ويفرش دربه بالنور والريحان ينثره ُ

على قدميه مختلطا ً بما في القلب إذ يخشــعْ

وما في العين إذ تدمعْ

ويعرف أنـّه ظمآنُ .. يرويهِ

بماء الورد والكوثرْ “5”

وأذهله اكتظاظ الناس، ما من شائبٍ فيهم ولا هرِم ٍ ولا أصلعْ”6″

وأذهل ناظريه السـُّـندس الأخضرْ “7”

ويعرفهم، ويشعر أنـّهم أهل وأحبابُ

فهذا ابْنُ فاطمةٍ “8”

وقالوا رأسه بالشام ، قد كذبوا

وهذا ابن خطـّابٍ “9”

تلوّن من دم ٍ مِنبرْ

وضجّ بحزن ثاكلة قبيل الصبح محرابُ

ومن ذاك ؟ أليس الشيخ عمـّارا ً ؟ “10”

لقد أنباه سيدنا ، معلمنا وأسوتنا :”11″

سيقتلك الذين بغـَـوا

فلم ينطق قبيل الموت غير شهادةٍ: إنّي سألقى اليوم أحبابي”12″

وهذا سيـّدالشهداء كالأسد الهصورِ”13″

ببرق كالسيوف الماضيات يضمِّخ ذلك الآتي

بعطر المسك والعنبرْ

ويضحك ضحكة أنقى من الماء الذي ينبعْ

تزغرد منه حبّات إذا ينساب ما بين الصخور ِ

همُ الأطهار ذاقوا لذة الفردوس بل أكثرْ

تجلـّى للألى صدقوا إلهُ الناس ، صاروا كلـّهم نورا ً”14″

وكم ذرفوا دموع الطهر من فرح ٍ

وبين ضلوعهم أكبادهم جذلى “15”

تردِّد بعض أدعية إلى ربِّ العلا تُرفع ْ.

ويحمل سيِّد الشهداء وافدَهم ، ويرفعه إلى أعلى

وضجّت جنة الـلـهِ ، بتهليلٍ وتكبير ِ

فهذا حمزة الأكبرْ

يعانق حمزة الأصغرْ .

على اسمي أنت يا ولدي، فبورك والد سمّى

وأنت كفرحة الأعياد أو أحلى

فلم ْ قتلوك يا ولدي ؟

أما من رحمة بقلوب من فجروا ؟

وكيف تـحمّل الجاني دماء الطهر إذ أثما ؟

أما سمعوا كتاب الله إذ يُـتلى ؟ “16”

أما خافوا لقاء الـلـه يسألهمْ : لماذا يُـقتل الطـُّهرُ ؟

لماذا يُـقصفُ الريحان والأزهار في دار ٍ لذا الطفل ِ ؟

لمَ استُـشهدتَ يا ولدي ؟

ولم تكُ في ميادين وغى

ولم ترتدَّ ، لم تكفرْ

بإسلام ٍ، ولم تشركْ بربّ البيتِ

ما أنكرت أركانا ً إذا تُـجمع ْ

معاذ الـلـهِ يا أهلي

ويا أسدا ً بكاه محمد والناس في أحُـدِ “17”

أنا استشهدت يا أهلي ، لأن أبي جزاه الـلـه كلَّ الخير ربّاني

وأمّي ألقمتني ثديها بحليبها ووصيّةٍ

أنّي لغير الـلـه لا أخضعْ

وأنّ الرأس لا يُحنى

وأن كرامة الإنسان تجعلهُ

لغير الـلـه لا يركعْ

وأن الموت ليس نهاية الإنسان ِ بل خطواته الأولى

إلى عيش هو الأطهرْ

بدار الخُلد منزله ، ويعرف أنه الأسمى

بها ما لا عيون الناس قد تُبصرْ

ولا الآذان قد تسمعْ

ولا ما دار في الخـَـلدِ “18”

فكيف أبيع منزلة أراد الـلـه يسكنني

ببعض فُـتات مائدة هي الزقـّوم أو أشنعْ “19”

وهلـّل جمع أطهار، بل ِالأطهر

وبعضٌ منهمُ كبَّرْ

تبارك خالق الأشياء من عدم ٍ

 مُصيِّرها إلى العدم ِ

تبارك واهب الأرزاق والنعم ِ

همُ الأشهاد بالمُقل التي تخضلّ إذ تنظرْ

وقال ابن خطـّابٍ

وقال الشيخ عمّار ٌ:

رعاك الله يا ولدي

مع الأبرار والصدِّيقين والشهداءوالرُّسلِ

وبارك أمـّة فيها شباب يرفضون الذل أن يطغى

يُروّون الثرى بالطـُّهر من دمهم

ولا يرضون غير الحقِّ أن يظهرْ

هوامش

1-  سدرة المنتهى : السدرة واحدة شجر السِّدر ( النبق )

    وسدرة المنتهى شجرة في السماء لا يجاوزها ملك ولا نبي وتُظِلّ الجنة .

2-  رضوان : الملك الموكل بمفاتيح الجنة

     هل تذكرون قول أحمد شوقي يصف دمشق:

جرى وصفّق يلقانا بها بردى         كم تلقّاك دون الخُلد رضوان

3-  يفديه : كأن يقول فدتك نفسي ، أو فداك أبي وأمي .

4-  أهـَّـل  وسهَّـل: قال : حللت أهلا ً ووطِئت سهلا ً.

5-  الكوثر : عن رسول ( ص ) أن الكوثر نهر في الجنة أشد بياضا ً من اللبن وأحلى من العسل .

6-  وردت في أحاديث كثيرة صفة أهل الجنة منها قوله ( ص ) ممازحا ً إحدى العجائز :

      ” لا تدخل الجنة عجوز”، فبكت المسكينة ،حتى أوضح لها أنها تعود شابة .

      وفي حديث آخرأن مناديا ًينادي أهل الجنة ” وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا ً ” .

7-  السندس : رقيق الديباج ورفيعه ،والاشارة هنا إلى رثاء أبي تمّام لمحمد بن حميد الطوسي

       وهو من أروع ما قيل من رثاء في الشعر العربي :

تردّى ثياب الموت حُمْرا ً فما أتى          لها الليل إلا وهي من سند س ٍ خُضْرُ

8-  الحسين بن علي رضي الله عنهما .

9-  عمر بن الخطاب رضي الله عنه

      وقد استشهد عندما طعنه أبو لؤلؤة فيروزالمجوسي وهو يصلي صلاة الفجر إماما ًبالناس .

10-عمار بن ياسر وأمه سمية أول شهيد في الإسلام رضي الله عنهم جميعا ً

   قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :” تقتلك الفئة الباغية “

     استشهد في صفين وهويقاتل في جيش علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .

11- أنباه : أنبأه ،والإشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

12- آخر كلمة قالها عمار بن ياسر : سألقى اليوم حبيبي رسول الله .

13- سمّى رسول الله ( ص) عمّه حمزة رضي الله عنه : أسد الله ورسوله .

  وعندما استشهد حمزة في غزوة ” أحد ” قال : ” سيّد الشهداء حمزة ” .

14- قال رسول الله ( ص ) : “إن أفضل إنعام رب العالمين على أهل الجنة أنهم يرون نوره “

    وقال : “إنكم سترون ربكم عيانا ً كما ترون هذا القمر ” .

15- كان العرب كثيرا ً ما يشيرون إلى القلب بالكبد .

  16- قال تعالى : ” من قتل نفسا ً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ً “

       (الآية 32 من سورة المائدة ) .

17- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد : ” أمّا حمزة فلا بواكي له “

      فلم تبق امرأة في المدينة إلا خرجت تندب وتنوح ، حتى أمرهن رسول الله بالتوقف .

18- وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة كثيرا ً لأصحابه .

     وقال : “فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ،ولا خطر على قلب بشر ” .

19- الزقّوم : كل طعام يقتل، قال تعالى :”إن شجرة الزقوم طعام الأثيم “

      (43 و44 من سورة الدخان ) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published.