العاشقون إمامهم مجنون


منذ سنوات طويلة تعلقت بثلاث قصائد من عيون الشعر العربي ، الأولى لمجنون ليلى ( المتوفى عام  68 هـ ) وتسمى ” المؤنسة ” لأنه كان يأنس بإنشادها وتبلغ 83 بيتاً ، ومطلعها :

ذَكَّرتُ لَيلى وَالسِنينَ الخَوالِيا       وَأَيّامَ لا نَخشى عَلى اللَهوِ ناهِيا

والثانية للمتنبي ( 303 -354 هـ/ 915 – 965 م ) ومطلعها:

                 كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا       وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا

والثالثة للشريف الرضي ( 359-406 هـ / 969 – 1015 م ) ومطلعها:

أُراعي بُلوغَ الشَيبِ وَالشَيبُ دائِيا       وَأُفني اللَيالي وَاللَيالي فَنائِيا

وتلاحظون أن القصائد الثلاث ” يائية ” [ أي إن رويها الياء ] وأنها كلـَّها من البحر الطويل فكتبت على خطى هؤلاء الشعراء العظماء هذه القصيدة

هذه القصيدة طويلة قليلاً ، لكنها في الواقع أقل من نصف القصيدة قبل الاختصار، عدد الأبيات هنا 34 بيتاً ، وفي النص الأول 71 بيتاً

________________________________________________________________________

يُـعـاتـبُ خِـلـّي إذ ْيــرانيَ ســاهِـيــا          بنُصح ٍ وإشْـفـاق ٍكأنْ صارَ هـاديـــا

إلام َسـتـمـْضي في الغِـوايـةِ سـادِراً          وقـد صِرتَ للخـُلّانِ حولـك ناسِــيـا

يـقـولـون دع ْحـبا ًيُـذيـقـُـك لوعـَــة ً          وما تـرْتـجي إلا الـدمـوع َسـواقـيـــا

وأنـت خـَـنـُـوع ٌإذ تـهـيــم بـغــــادةٍ           تـبـيعـُك وهـْما ً ليس ترضى تلاقـيـا

فهلّا تركتَ الوهـْمَ ترجُـو وِصالـَهـا           وأرجعْـتَ دهـرا ً كنت فـيـه اللاهـيا

وأنشدت شعرا ًيُذهِـلُ البـيـدَ والظِـبا          لتُطـْرِبَ صحْبا ً حين تشْـدو القوافيـا

وليتك تـُصغي للصِحابِ ونـُصْحِهم           فإنـك في عـِنـْـدٍ تـسـُـــرُّ الأعـادِيــــا

فـقـلـت دعُـوني بارك الـلـهُ فـيـكـُــم ُ         أناج ِخــيـالا ً، واتـْركـُوني وشــانـِيـا

أهـيـمُ بـظـبـي ٍقـد بـراني بحُـبـِّـــــه          ويـلهــو بـقـلـبـي لا أراه مـُـبـالــيــــا

وأمـشـي بـدرب لا أروم ُانـْتـهـــاءَه          ولـو أرضُهُ  شـوك ٌسأمـشيهِ حافـيــا

أهـيـمُ بـهــا وجْـدا ًكـمـا هـامَ زورقٌ          يُصـارعُ أمـواجـا ًكـطـَــوْدٍ عـوالـيـــا

وأدعو إذا هاجَتْ عواصفُ باسْـمها          عسى أن تُدانـيـني لألـقي المراســيـا

أراها بـقـلـبي إذ أنـاجـي خـيـالـَهـــا          أصـارَ كـثـيـرا ً أن أراهــا أمـامـيـــا؟

ولـسـتُ أُرجّي مِـن أمانِيّ غـيـرَهــا          فيا ربِّ هل صعـبٌ أذوقَ الأمانـيـــا؟

رمَيـتُ بنـفـسـي في غـيـابَـة حـبِّـهـا          وقطـّعـْتُ من شـوقٍ إلـيهـا حبالـيــــا

أعُـبّ هـواهــا كالـنعـيـــم وكـوثـــرٍ          فـمـا أرْتـوي إلا لأرجـِعَ صـاديــــــا”1″

وإنّي أراها كالشـمُـوس بـهـاؤُهـــــا          وأجـمـلَ من ريـم ٍتـراقـص غـاديــــا”2″

وأغـلى بعـيـني من قـصـور ولـؤلـؤٍ         وألـطـفَ من ماءِ اليـنـابـيـعِ صافـيـــا

وإن غـرَّدت تـنسى الظـِّباء ُورودَها          وقد تسْـتحي منهـا الطيـورُ شـواديــا”3″

وصلـَّيـتُ ما أدري أسَـبْعـا ً قـرأتُهـا          من الآياتِ أم خمْســا ً تلـَـوْن ثمـانـيـا ؟

وهل كان وجهي صوبَ بيتٍ بمكـّةٍ           وكـيـف سأدري والحـبـيـبُ ورائـيـا ؟

وهـل كان تـسْـلـيـمي بُعَـيـدَ تـشـَهُّـدٍ           يمينـا ً- لقد أُنْسـيت – أم عن شـمالـيا ؟

وجـاؤوا بآســيٍّ لـيـعـرفَ عِـلـَّـتــي           فأظـهــر حـَـوْرا ً ثـم أنـكـر دائــيـــا”4″

وقـال فـتـاكـُـمْ لا سَـــقـام َبـجـســمـِه          ولســت أرى داءً لأعــطي دوائــيــا

ومـا كـان يدري بالحـبـيــبِ وصـدِّه          وأن ســهـامَ الحـبِّ أصْـمـتْ فـؤاديـا

وأنَّ نحـيـبي يُـقـْلـقُ الـلـيـلَ صوتــُه          ويُشــــفِــقُ بـدرإذ أهـيــمُ لـيـالــيـــــا

ولو كان يدري ما ألاقـي بـحـبـِّهــــا         لأجْهـشَ محْـزونـا ً وفـاقَ البـواكــيــا

ولو رام إنـصـافـاً لـقـالَ لـصُحْـبـتي          بـقـلب الـفـتى وَجـْـدٌ يهـُـدُّ الرواســيـا

إذا اشْـتـقـْتُ يوما ً أن يزورَ خيالـُها          بعـثـتُ لكي يـدعــو الخيـالَ خـيالـيــا

أراها ضياءً يكسِـفُ الشـمسَ نورُها          وأشهى إلى نفسي من الشهْـدِ صافيـا

وأعـلــمُ أني في هــواهـــا مُــعــذَّبٌ          ولسـتُ أراني من ضنى الحـبِّ ناجيا

بذلتُ لها عُـمـري لترضى فـعانـدت          وأحسـبُ ترضى حيـن تسـمعُ ناعِيـا”5″

 فهـل سَــرَّها أني أذوب بـعِـشـقِـهــا          وأنّـي ألاقــي في الـغــرامِ هـلاكــيـا

  فـيـا ربِّ إني لا أريــدُ تـعـافـيـــــا ً         ولكن يـكونُ الوجْـدُ فـيـنـا تـســاويــا

  وأدعُـوك ربي مـثـلما قال”قـيسـنـا”        إمـام ٌلأهـلِ الـعــشـْــق ذاق مـآسـيــا”6″

إلهي فـسـَـوِّ العـشـق بـيـني وبـيـنها          يـكون كـفـافـــا ً لا عـلـيَّ ولا لــيــــا”7″

____________________________________________________________________________________

هوامش

1-  صاديا ً : ظمآن

2-  غاديا ً : الغدوّ :الخروج مبكراً

3-  الورود : أن ترد الماء للشرب ، يقال للإنسان والحيوان

4-  الحور : الحيرة . حار يحار ويحور حوْرا ً وحيرة

5-  الناعي : ناقل خبر الموت

6-  قيس بن الملوَّح : مجنون ليلى

7-  البيت ماعدا الكلمة الأولى للمجنون

           فيا رَبِّ سَـوّ الحُـبَّ بَيني وَبَينـَها       يَكونُ كـَـفافا ًلا علـَيَّ وَلا لِيـا

One response to “العاشقون إمامهم مجنون”

  1. هناك مفردات كتبت خطأ واحدثت لذلك هللاً في الوزن ويجب تداركها .

Leave a Reply

Your email address will not be published.