فارس آخر يترجل


فقدنا حتى القدرة على البكاء .. جاءنا نعي الصديق طلعت الشايب فذهلنا .. ألن نسـتمع إلى قفشاته الذكية، ومناقشاته الصاخبة بحق، وتحليلاته العميقة، ومشاركاته الغزيرة في ميادين الثقافة؟ خسـرنا وخسـرت الثقافة، وهي تخسر باستمرار. من أعزي؟ لم أجد من أعزيه إلا نفسي وبعض الأصدقاء.

 

قـالـوا: تـرجَّـل فارس، قـلـتُ: انـدُبـوا    خـســرَ الـبـيــان فـتىً وأظـلـمَ مـلـعـبُ

عـاشــرتــُـه، وخـبـِرتـُـه، وعـرَفـتــُـه    صـقراً يـضيـقُ بـه الفـضــاءُ الأرحـبُ

مُــتــدَفــِّـقٌ كالـســيـلِ حُـلـوُ حـديــثـِـه    فـكأنـّمــا في الحـرفِ عـطـرٌ يُـسـكــَبُ

والـعــقـْــلُ يجـذُبُـه بعـيـداً عـن هـوى    والعـقــلُ فـي كلِّ الـمـواقـــفِ يـغـلـِــبُ

والظـُرفُ في الألفـاظ بعـضُ صـفـاته    لـيـســت مـنــاقــبـُـه غـُــثـــاءً يَـذهـَـبُ

يـشـــتـاق شِـــعـراً صـادحــاً ويـهـُـزُّه    لـحــنٌ تـردَّد في الـمـســامـع مُـطــربُ

عـرَف الأعاجـمَ في عُـيــونِ بـيـانـهـم    لـكنـّه مـن نـبــــعِ “يـعــربَ” يـشــربُ

تـلـقــاه في الـسُــمّـارِ نـجـمَ فـصـاحَـةٍ     مُــتـــمــيـــِّـزٌ في قــولــِـه ومُـجـَــرِّبُ

خـبـِرَ الـحـيــاة بـحُـلـْـوِهـا وبـمُــرّهــا    لــم ألــْـقــَــه إلا لــحــــقٍّ يـغـــضـــبُ

يـكـفــيـــه مـن خِــلٍّ وفــــاءٌ صـــادقٌ    ويُـثـيــرُ مَـكـمَـنَ حِـنـقـــِه المُـتـَـقـلـِّـبُ

يـأبـى الـخِــداع بـكـبــريـــاءِ مُـقـاتـِـلٍ    ويـشـَـعُّ صِــدْقاً فـي حــروفٍ تُـكـتـَـبُ

بـدرُ الـمجـالـس إن يـكُنْ في صُـحـبـة    بــمــحــبــَّـــة، لـكـــنــَّـــه لا يــكــْـذِبُ

تـلـقى الـصِـحـابَ كأيـكــةٍ حَـفــُّـوا بـه    وحـديــثـــُه كالـشـَـهـْـدِ أو هـو أعْــذبُ

حَــزِن الــرِفــاقُ لـفـَـقـْـدِه وتـألــَّـمــوا     خفتَ الضياءُ وشمسُ “طلعتَ” تغرُبُ


Leave a Reply

Your email address will not be published.