عيد بأية حال عدت يا عيد


اليوم هو السابع عشر من نيسـان. ولنيسـان مكانة خاصة بين الشهور في سـورية، فهو شـهر الربيع الحقيقي، ويتـفوق في هـذا على شهر آذار الذي قد تكون فيه أمطـار وعـواصف وبرد ورعود وبروق، أما نيسان فشهر الزهور تتفتح، والحَور يزهو بخضرته في الغوطة، ويحلو “السـيران” وهـو النزهـة في الغـوطة. ولاحظـوا أنني قـلت “نيسـان وآذار” ولم أقـل “أبريل ومارس” لا تعصبـاً مني “لشـاميتي” بل إخلاصاً لـلتسـميات التي درجنا عـليهـا، صحيـح أن الاسمين من لغات أجنبية، ولكن من أعشقهم من الكتاب القدامى سموهما بالاسـمين المشتقين من السريانية.

نشأت أجيال على التغني بشهر نيسـان، لأنه شهر الاستقلال، في هذا اليوم خرج المسـتعـمر الفرنسي من سـورية، بعد خمسـة وعشـرين عاماً من النضال الوطني الذي لم يتوقـف يومـاً واحـداً. ثـورات متلاحقـة، من ثورة “العلوي” الشـيخ صالـح العـلي، إلى الثـورة التي قادهـا “السـني” إبراهيم هنانو، إلى ثورة 1925 التي قادها “الدرزي” سـلطان باشـا الأطرش، إلى الثورات التي لم تتوقف في حماة ودمشـق وحلب وديـر الزور، إلى حكومة الاســتقلال التي رأس وزارتها “المسيحي” فارس الخوري، هكذا هي سورية.

وكان السـوريون وما زالوا يسـمونه “عيد الجلاء” وهم على صواب، فالعيد في المعجـم: كل يوم فيه جمع، وسُـمّي عيداً لأنه يعود بفـرح متجدد، وكم كنا نفـرح في هذا اليوم، وكأننا نحن الذين قاتلنا المســتعمر حتى خرج. كانت المدارس تحتـفـل، ويـتحدث المعلمـون إلى طلابهـم وتلاميذهم عن هذا اليوم الأغرّ، وكانت الأفراح تقام في كل قرية وبلدة ومدينة، وينشد الناس أناشيد العيد، وتقام “الدبكات”، إلى أن يكون الاحتفال الأكبر في العاصمة بعرض عسـكري، وخطب من القادة، أما زال أهلي في سورية يحتفلون بعيد الجلاء؟ وهل لديهم الوقت ليفعلوا؟ وهل تركت لهـم الحرب الأهلية الطاحنة وقتـاً أو قدرة على الاحتـفال؟ كان الشـعب السـوري بكل أعراقه ودياناته وطوائفه وأحزابه يحتفل بعيد الجلاء، واليوم ليسوا قادرين على الجلوس معاً ليسمع أحدهم الآخر.

كان الناس يختلفـون – حتى في الاغـتراب – حول هذه المناسـبة أو تلك، لكنهـم لم يختـلفـوا يوماً على أن من حق كل سـوري – ومن واجبه أيضاً – أن يحتفـل بعيـد الجلاء، فهذا العـيد لكل سـوري بغض النظر عن انتماءاته الفكرية والدينية، وليس لطائفة أو حزب أو مجموعة عرقية. لكن ما جرى ويجري في سورية يجعل الاحتفال بهذا العيد غير ذي معنى.

هل صارت سورية مسرحاً لتصفية الحسابات بين الدول؟ يتحدثون كلهم عن الحرب والسلام في سـورية، والصـوت الغائـب – وهـو الأهـم – صـوت الشـعب السـوري. بكم عـيد جـلاء سنحتفل؟


Leave a Reply

Your email address will not be published.