دولة رئيس وليست دولة مؤسسات


كلما جرى الحديث عما سـيفعله هذا الرئيس الأمريكي أو ذاك، خرجوا عـلينا بالقول الذي يفحم الجميع “الولايات المتحدة دولة مؤسسات وليست دولة رئيس، وإن كان النظام رئاسياً” فهل هذا هو الواقع؟ وإلى أي مدى تتحكم المؤسسات لا الرئيس برسم السياسات؟

يحيط الرئيس نفسه بالعدد الكافي من الموظفين (يحق له تعيين 4500 موظف) ويعين السفراء وقضاة المحكمة العليا، ويكفي أن له حق نقض قرارات الكونغرس والامتناع عن تنفيذها. ومن حق الكونغرس العـودة إلى هـذه القـرارات، ولكن هذا يحتاج إلى موافـقة ثلثي أعضاء مجلسـي الشـيوخ والنواب، وعبر السـنين لم يتحقـق هذا إلا في 7 – 11 % من القـرارات التي نـقضها الرئيس. على سـبيل المثال تقوم الآن ضجة حول نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. هذا القرار ليس جديداً، فـقد وافق عليه الكونغرس ووضعـه أمام الرئيس عام 1995، ولكن ثلاثة رؤسـاء أمريكيين (كلنتون وجورج بوش الصغير وأوباما) رفضوا توقيعه، ولم ينفذ.

في عام 1956 قامت فرنسا وبريطانيا وإسرائيل بعدوان على مصر، واتخذ الرئيس آيزنهاور موقـفاً حازماً من ذلـك العـدوان، وكان لموقـفه أثر كبير في إنهـائه، كما كان لموقـف الاتحـاد السوفييتي أثر أيضاً، ولعل الولايات المتحدة كانت تخطط لوراثة فرنسا وبريطانيا في الشرق الأوسط.

في عام 1991، وفي أعقاب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، دعت الإدارة الأمريكية إلى مؤتمر مدريد للسـلام في الشرق الأوسط، وكانت إسـرائـيل تأمل أن يرفـض العـرب (ولاسـيما سـورية) حضـور المؤتـمر، وفوجـئت بأنهـم جميعـاً وافـقوا، وبدأت المـراوغـة، ولكن الرئيس جورج بوش الأب هدد بوقف قروض ائتمانية لإسرائيل قيمتها 10 مليارات دولار، فاضطرت إلى الموافـقة وحضور المؤتمـر، وإن كانت مراوغاتها ثم المباحثات السـرية بين ياسـرعرفات وإسرائيل في أوسلو جعلت مؤتمر مدريد بلا معنى.

ولنلاحـظ مدى تأثير الرئـيس على السـياسـة الخارجـية: ورط الرئيـس جـورج بوش الولايـات المتحدة في حربـين في أفغانسـتان والعـراق كبدتا الخزانة أكثر من 3 تريلـيونات دولار، وجاء أوباما فانسحب من البلدين وقدمهما على طبق من ذهب إلى إيران، وقد عشنا جميعاً نتائج تردد الرئـيس أوباما وتراجـعه عن قراراته، بل بدت سـياسـته كلها تراجعاً عـما وعد به أثـناء حملته الانتخابية، وفي خطابيه في أنقرة والقاهرة.

ينص الدستور الأميركي في البند الثالث من مادته الثانية على أن الرئيس يُطلع الكونغرس “من وقت لآخر” (وليس دائماً)على ما يجري، لكن بسبب أن مضمون المادة ليس محدداً بدقة، أصبح التقليد يتجسد في إلقاء الرئيس خطابا سنوياً بمقر الكونغرس في جلسة مشـتركة بين إدارة البيت الأبيض ومجلسي النواب والشيوخ، بحضور قضاة المحكمة العليا.


Leave a Reply

Your email address will not be published.