مقتطفات صحفية


 

·          تحدثت في مداعبة سابقة عن الخطأ الشائع في استخدام كلمة “رفيع” لاسيما كصفة مع كلمة خيط، وما أكثر ما قرأنا ونـقرأ “خيط  رفيع يفـصل بين كذا وكذا”. وأصل الخطأ أن الرفـيع هو السـامي وهو نقيض الوضيع، أما الذين يستخدمونه جاهلين فيجعلونه بمعنى الرقيق أو الخفيف أو النحيل. وقـد انتـبه مجمع اللغة العربيـة في القاهـرة إلى هذا الأمر فقال إن “السـميك” كلمة مُحدثـة وتعـني الغليـظ الثخين (ولم يقل إنها نقيض الرفيع التي أقرها بمعنى الرقيق النحيل) وترد هـذه الكلمة في الأحاديـث والكتابـات الصحـفـية وحتى الأدبيـة والشـعـرية “وقام بينهـما جدار سـميك من الشـك” ونقبل هذه الكلمة لأنها غير موجودة في المعاجم القديمة بهذا المعنى، وما نجده هوأن السَّمْك يجيء في مواضع بمعنى السقف. والسـماء مَسْمُوكة أي مرفوعة كالسَّمْك. وروي عن علي، رضي الـلـه عـنه أنه كان يقول: وسَـمَك الـلـه السـماء سَـمْكاً رفعها. وسَـمَك الشيءُ سُـمُوكاً: ارتـفع. والسَّـامِك: العالي المرتفع. هل تذكرون بيت الفرزدق:

      إن الذي سمك السماء بنى لنا     بيتاً دعائمُه أعزّ وأطولُ

من طرائف هذا البيت أن أحدهم ظن أنه يحرج الفرزدق حين سأله: أعز وأطول ممَّ يا أبا فراس؟    (أعز وأطول اسـما تفضيل فتـقول: نهر النيل أطول من نهر الأمازون) لكن الفرزدق كان مسـتعداً لهذا، فقد أذّن المؤذن وقال: الـلـه أكبر، فقال الفرزدق: يا لـُكـَع (أحمق)، أكبر من ماذا؟

·          ليس اختراع كلمات جديدة حكراً على مجامع اللغة العربية هنا وهناك، بل يمكن لكل مجتهد متمكن من أصول اللغة أن يدخل إلى اللغة العربية كلمة أو كلمات ويقدم المبرر لهذا. لنضحك معاً:  خطر لي أيام انتشار الفاكس (وما زال مستعملاً) أننا نقول: أرسل له رسالة (أو وثيقة) بالفاكس، فلم لا نختصر هذه الجملة بفعل؟ وبحثت في المعجم عن الجذر “فكس” فلم أجده، فقلت: لم لا نستخدم هذا الفعل؟ نقول مثلاً: فكس الرسالة أو الوثيقة، ومنه فاكس ومفكوس وفكّاس ومفكاس والفكس (أي الإرسال بالفاكس) وهكذا. وكنت أمزح.

لكن اختراع كلمة يجب أن يكون مما لا أصل له، ولهذا استهجنت أن يقول أحدهم “وعمدوا إلى تمويت القضية سياسياً” والخطأ هنا في كلمة “تمويت” ونعرف الجذر “مات” والموت وأمات والميتة والميّت والميْت واستمات، ولكننا لا نجد في المعجم “موّته تمويتاً”.

·       كاتب شـاعـر أديب صحـفي رسـام يكتب مقـالات خفيفـة الظل في إحـدى الصحـف المشهورة، قال في مقالة نشرها مؤخراً، إن أحد الخطباء ردد بيتاً من الشعر:

ونحن قوم لا توسط بيننا   لنا الصدر دون العالمين أو القبر

وبما أنه لم يشر إلى خطأ الخطيب، اعتبرته موافقاً على ما قاله، لكن هذا كسر البيت عروضياً، والبيت قبل ذلك من أشهر قصائد أبي فراس الحمداني ” أراك عصي الدمع” وهي من البحر الطويل، وأصل البيت الصحيح:

ونحن أناس لا توسط بيننا    لنا الصدر دون العالمين أو القبر

·       أعرف أن أحد الكتاب الأصدقاء في الوطن حريص على تجويد لغته، قرأت له خيراً في صفحته عنوانه “اعتقال ماعز ومحاكمتها” وقرأت الخبر في صحيفة عربية مهاجرة بعنوان “ماعز وراء القضبان” والعنوانان خطأ، لأن ماعز لا تعني الواحدة، بل هو اسم جنس كالغنم مثلاً ونعرف أن مفردته نعجة، أما الواحدة فهي العنز والمعزاة والماعزة، والعامة يجمعونها على مِعيز، وهذه فصيحة إلا أن الميم مفتوحة مَعيز

·       أعتب على كبار الكتاب أكثر مما أعتب على صغارهم، وعلى المخضرمين أكثر من المبتدئين، لأن هؤلاء الكبار قدوة للصغار ومنهم يتعلمون. تحدثت أديبة كبيرة وشهيرة جداً عن العشق بمناسبة فالنتاين، وقامت بسياحة جميلة في شعر الغزل العربي قديماً وحديثا، وقالت: “ويمتلئ شعر الغزل قديماً بذكر الواشي والرقيب والعازل” ومن المصائب ألا تعرف الفرق بين “العذل والعزل” وبين “العاذل والعازل” العذل يا سيدتي هو الملامة والعتاب، والعاذل هو اللائم المعاتب، أما العزل فهو التنحية، كما في عزل موظف، وللعزل معنى مشهور آخر لا داعي له الآن.

    واستشهدت الكاتبة ببيت مشهور للشريف الرضي فأوردته هكذا:

     هامت بك العين لم تتبع سواها هوى     من عَلم العين ان القلب يهواك

هذا البيت من قصيدة مشهورة للشريف الرضي من أجمل شعر الغزل في الشعر          العربي ومطلعها:

  يا ظبية البان ترعى في خمائِله       ليهنك اليوم أَن القلب مرعاكِ

   والقصيدة كلها بالمخاطب، فكيف استقام لها أن تقول ” سواها”؟ ولم تنتبه إلى أنها     كسرت البيت عروضياً، وأصل البيت “لم تتبع سواك هوى”

·       يمثل الفعل المعتل الآخر (المقصور والمنقوص) والمعتل الوسط (الأجوف) مشكلة للكاتب غير المتمكن، لاسيما حين يورده مجزوماً، وعلامة الجزم دائماً حذف حرف العلة من آخره أو من وسطه: يرضى، لم يرضَ، يُبقي، لم يُبق، يموت، لم يمُت، وهكذا. أحد أصدقائنا وقع في هذه المشكلة مؤخراً فكتب “لم ألتقيه من قبل”

والفعل هنا مقصور في الأصل “التقى”  يصير منقوصاً في المضارع “ألتقي” وفي الحالتين يجزم بحذف حرف العلة، أي كان عليه القول “لم ألتقه” ويبدو التعبير ركيكاً، ولكن الكاتب الحصيف يستطيع الهروب من المشكلة بتغيير شكل الجملة كأن يقول “ما لقيته” ويمكن أن يقول “لم نلتق من قبل”.

·       قالت كاتبة أديبة تقول إنها شاعرة في مقالة في اتجاهات ثقافية وهي تتحدث عن محتويات حقيبتها ” شنطة مكياج سرعان ما أمسكتها ووجدت فيها مناصاً” ونقول للزميلة إن “شنطة” ليست من العربية في شيء فابحثي عن تسمية أخرى، أما “وجدت فيها مناصاً” فرب رمية من غير رام، ولعلها أرادت “خلاصاً”. المناص: المنجا، قال تعالى في سورة “ص” (كم أهلكنا من قبلهم من قـَرْن فنادوا ولاتَ حين َمناص) أي استغاثوا وليس ساعة ملجأ ولا مهرب، ولا نعتقد أن الزميلة الكاتبة كانت تعرف هذا، أو أنها بحثت في المعاجم ووجدت الكلمة المناسبة، إذ كان بإمكانها أن تقول “ملجأ أو مفراً أو مهرباً” ولم أستغرب أن تخطئ في إيراد هذه الكلمة ما دامت تقول: أصبح لي الآن وجهاً، عدنا إلى الإعدادية.

·       سبب عتبي على كبار الكتاب دون صغارهم ومبتدئيهم، أن الكبار قدوة، كتب الكاتب ذو اللغة الرشيقة “غاب معمِّر الدلوماسية ومعمّر الصحافة” ووضع فوق الميم الثانية كسرة، وما درى أن الفعل عُمِّر ومنه معمَّر لم يرد إلا مبنياً للمجهول، والتقدير عمَّره الله، مثله مثل فعل “استُشهِد” أما استشهَد فتعني طلب شهادة من أحد. قال تعالى في سورة فاطر “وما يُعَمَّرُ من مُعَمَّرٍ ولا يُنقَصُ من عمره إلا في كتاب ” أما المعمر (بكسر الميم) فتعني الذي يبني.

 

  

  


Leave a Reply

Your email address will not be published.